اختراق اليهودية للفاتيكان
قـراءة فـي وثيقـة اعتذار وتوبة الفاتيكان مـن المحرقة النازية
البابا يعتذر لليهود و الاعتذار وإدانة الذات وصلت حد التذلل والامتهان !
وثيقة
الاعتذار والندم التي أصدرها الفاتيكان في شهر مارس الماضي والتي امتلأت
وعجَّت بعبارات التذلل والتزلف والتباكي على معاناة اليهود أثناء الحقبة
النازية ، مازالت تثير الكثير من الجدل وردود الفعل ، البعض هاجمها
واعتبرها خطوة جديدة نحو المزيد من تهويد الكنيسة وتقديم الدعم لإسرائيل ،
في حين حاول البعض من أتباع الكنيسة الكاثوليكية تبريرها ولكن دون جدوى.
ومع
أنه ربما يتبادر للذهن ـ فور السماع بالعنوان العريض للوثيقة " وثيقة
الندم والاعتذار " ـ إحساس أنها تتضمن استخذاء ورضوخاً من الكنيسة لليهود
، إلا أن هذا الإحساس يتزايد بصورة كبيرة عند قراءة الوثيقة التي قال أحد
مهاجميها ":إنها طلب للصفح والمغفرة وإدانة للذات بصورة فيها الكثير من
الإسفاف والامتهان " .
وكانت فكرة إصدار الوثيقة قد أخذت طريقها
للتنفيذ خلال مؤتمر عقد في روما خلال الفترة من 30-10 إلى 2-11-1997م ،
حيث قدم البابا يوحنا بولس وثيقة بهذا الخصوص لتتم مناقشتها وإقرارها من
قِبَلِ 60 خبيراً دينياً في اللاهوت الكاثوليكي والبروتستانتي ، وعلق أحد
أعضاء لجنة العلاقات الدينية مع اليهود في حينه أن المؤتمر سيراجع ويعدل
عدة نصوص دينية في العهد الجديد "الإنجيل" لتحاملها على اليهود ، كما يتم
تعديل إنجيلي متى وبولس وقصة التلاميذ برمتها !
وهذا ما رأى فيه
الكثير تحريفاً وتغييراً من الكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان للنصوص
الدينية النصرانية لترضي اليهود وتنسجم مع الأوضاع السياسية الراهنة !
وقد
علق البابا يوحنا بولس الثاني في 12 مارس الماضي على الوثيقة التي أطلق
عليها تسمي "نحن نتذكر" قائلاً : " أملي كبير في أن وثيقة نحن نتذكر تشكل
إعادة تفكير حول المحرقة ، وتساعد حقاً على شفاء الجروح " ، وأضاف : " إن
الكنيسة تشجع أبناءها وبناتها على تطهير قلوبهم نادمين على أخطاء وكفر
الماضي ، الكنيسة تنادينا للوقوف بتواضع أمام الله ومراجعة مسؤولياتنا عن
الشر الذي وقع في أيامنا... في عدة مناسبات خلال بابويتي تذكرت وبشعور
عميق بالأسف معاناة الشعب اليهودي خلال الحرب العالمية الثانية، الجريمة
التي أصبحت معروفة باسم "SHOAH" "المحرقـة" تبقى بقعة لن تمحى من ذاكرة
هذا القرن الذي شارف على الانتهاء " .
وهذا التذلل والنفاق
والاعتذار في تعليق البابا على الوثيقة ، هو الروح التي تغلف الوثيقة في
كل أجزائها ، ولا تتورع عن وصف اليهود بأنهم الشقيق الأكبر ، حيث تقول : "
إن اليهود أعزاؤنا وأشقاؤنا المحببون ، وهم بحق الشقيق الأكبر " .
وفي
موضع آخر تقول الوثيقة : " الكنيسة الكاثوليكية ترغب بالتعبير عن عميق
أسفها لتقصير أبنائها وبناتها في كل حقبة ، وهذا يعني الندم ، كأعضاء في
الكنيسة تتقاسم فعلياً ، سواء خطايا أو حسنات جميع أبنائها ، الكنيسة تقف
وباحترام عميق ورثاء كبير أمام تجربة الإبادة ـ المحرقة ـ التي عانى منها
الشعب اليهودي خــلال الحـــرب العالمـيـــة " .
وتطالب الوثيقة
أتباع الكنيسة الكاثوليكية بإبداء الأسف والندم على ما حصل لليهود : "
لنأسف بعمق على الأخطاء والذنوب التي ارتكبها أبناء وبنات الكنيسة ، لنعمل
ما يقوله لنا المجمع المسكوني الثاني ، الذي أكد ـ ودون أدنى شك ـ أن
الكنيسة تتذكر إرثها المشترك مع اليهود ومدفوعة بأسباب ليست سياسية ولكن
دينية من وحي الإنجيل، نأسف للكراهية ومطاردة كل صور اللاسامية الموجهة ضد
اليهود في كل زمان ومكان " .
وفي إدانة ، بل وإساءة للذات تتهم
الوثيقة النصرانية بارتكاب خطايا وليس خطيئة : " نأمل أن يتحول اعترافنا
بالخطايا التي وقعت في الماضي إلى موقف ثابت وعلاقة جديدة خالية من
المشاعر المضادة لليهود " .
وفي تساؤل يتضمن الاتهام والإدانة
تقول الوثيقة : " عندما طردت النازية من أراضيها جموع اليهود ووحشية
الحركات العنيفة التي أصابت أناساً عُـزَّلا من السلاح ، كل هذا كان يجب
أن يحرّك الشك بما هو أسوأ ، هل قدم النصارى كل مساعدة ممكنة للمطاردين
وبخاصة اليهود ؟ لا نستطيع أن نعرف كم عدد النصارى في الدول التي احتلتها
أو حكمتها القوى النازية أو حلفاؤها ، احتجوا بغضب على فقدان جيرانهم
اليهود ولم يكونوا شجعاناً بما فيه الكفاية لسماع أصواتهم المعارضة،
وللنصارى أقول :" إن هذا الحمل الثقيل الجاثم على ضمائرهم بخصوص إخوانهم
وأخواتهم خلال الحرب العالمية الأخيرة يجب أن يكون مدعاة للندم " .